كتب : أحمد عابدين
تعتبر مسألة الديون من الجوانب المظلمة في عهد الخديوي اسماعيل إنتهت بوفاة استقلال مصر ودخول المحتل الأجنبي ، مرت عهود طويلة ومصر تقدم خراج سنوي من المحاصيل الزراعية والضرائب التي تفرض على التجار والناس والمكوس (الجمارك) ضريبة التجارة الداخلة والخارجة من وإلي البلد، و الجِزية التي يدفعها اقباط ويهود مصر، وضرائب إضافية يفرضها الحاكم او الوالي ،في عهد الوالي محمد سعيد إقترضت مصر اول قرض في تاريخها وقدره 3.25 مليون جنيه انجليزي، وإستلفت مبالغ أخرى داخلية عبارة عن معاملات بين مؤسسات حتي وصل الدين العام 11 مليون جنيه وكان يعتبر ذلك مبلغا كبيرا جدا بالمقارنة بميزانية مصر في عام 1863ميلاديا ، حتي أن تولي الوالي الجديد الشاب الطموح اسماعيل باشا، والذي يطمح ببناء دولة عصرية على الطراز الأوروبي ، حيث يقول المؤرخين عن الخديوي اسماعيل كان انسان طموح جداً، لكن مع الأسف كانت مريض بداء الأسراف ، ومن هنا نأتي بتاريخ كل القروض التي إقترضتها مصر .
القرض الأول : قرض سنة 1864ميلادي (5.7 مليون جنية) لمقاومة الطاعون البقري ، على الرغم من عدم انفاق اكثر من 125 الف جنيه فقط على مقاومة الطاعون البقري، وانفق باقي الدين في شراء اطيان كثيرة جدا لضمها للخاصة الأميرية والصرف عليها لاستصلاحها وتجهيزها، وكذلك شراء قصر (ميركون) على ضفاف البوسفور ليكون مقر للخديوي في اسطنبول، وتطويره وزخرفته على النمط الفرنسي.
القرض الثاني : قرض سنة 1865 ميلادي(3.4 مليون جنيه) نظرا لهبوط في اسعار القطن عالميا بسبب انتهاء الحرب الأهلية الأمريكية فزاد الطلب على القطن الأمريكي عالميا وعادت اسعار القطن المصري لمستوياته القديم. فحصر اسماعيل ديون الفلاحين وسددها عنهم للمرابين وخصص لها 1.4 مليون جنيه. و كانت لفتة طيبة من الخديوي لكن استدانته لقرض جديد يفقد بهاءه وجماله وباقي القرض زاد به الخديوي املاكه الزراعية والعقارية. كانت الأستدانة من بنك الأنجلو وتم رهن 365 ألف فدان من املاك الخديويمقابل الدين.
القرض الثالث: قرض سنة 1866ميلادي (3.0 مليون جنيه) من بنك اوبنهايم وتم رهن ايردات السكة الحديد في المقابل وانفقه على شراء املاك أخيه الأمير مصطفى فاضل وعمه محمد عبد الحليم، من أجل الأ يكون لهم حق في المطالبة بالعرش لأن وراثة العرش لأكبر افراد اسرة محمد علي سناً وغيرها إسماعيل بالوراثة . وكان الشراء بمبلغ 2.08 مليون جنيه مقسطة على 15 قسط وبلغت السمسرة بين الخديوي والبنوك او الأمراء البائعيين ما يقرب من 80 الف جنيه
القرض الرابع : قرض سنة 1867ميلادي (2.8 مليون جنيه) ولم يذكر فيما أنفق هذا القرض حتي الآن
القرض الخامس : قرض سنة 1868 ميلادي(11.9 مليون جنيه) في هذا العام إشترك الخديوي اسماعيل في معرض باريس العام، وظهر فيه بمظهر فخم أمام ملوك وامراء اوروبا، وتكلفت رحلته لباريس مبلغ 8 مليون جنيه ليكسب ثقة بيوت المال الأوروبية ليقترض منها ومنح في ذلك العام لقب خديوي فأعطي هدية للسلطان مبلغ 2 مليون جنيه كما أنفق منها الخديوي على انشاءات قصور عابدين والعباسية والجيزة،ورهن في المقابل ايرادات الملاحات ومصايد الأسماك وكان في عام 1869ميلادي حفل افتتاح قناة السويس الأسطوري التاريخي، وأنفق الخديوي 11 مليون جنيه مصاريف الحفل حتي أصبحت الخزائن خاويه
ديون داخلية (25 مليون جنيه) : نشأت عن استدانات مؤسسات الدولة من بعضها البعض تم النشر في الوقائع المصرية ان الدين الداخلي عام 1873 مبلغ 25 مليون جنيه
دين الرزنامة 1874 (3.3 مليون جنيه): إقترح إسماعيل المفتش علي الخديوي يقترض من الأهالي دين جديد، من مصلحة الرزنامة كان المواطنين يودعون فيها أموال كل شهر لتكون في صورة معاش لهم بعد فترة،إقترح اسماعيل باشا ان يطرح سندات في الرزنامة مقابل فوائد قدرها 9% تعتبر فائدة اكبر من فوائد بنوك اوروبا التي كانت 7 و 8% (!!) وكان متوقع جمع 5 مليون جنيه ولكن جمعت السندات مبلغ 3.3 مليون جنيه دخل الخزانة العامة منها مبلغ 1.9 مليون جنيه . والباقي سمسرة ومكافأت ومع الأسف لم يتم تسديد فوائد للمودعين غير جزء من السنة الأولى فقط.
كما استولى الخديوي بايعاز من اسماعيل باشا المفتش على جزء من فلوس بيت المال (زكاة مال المسلمين) والأوقاف وحساب الأيتام والقُصّر، وكان المبلغ 537 الف جنيه
وبعد نزاع بين وزارة شريف باشا واللجنة الثنائية، وبعد اشتداد الخلاف بين الديّانة والخديوي ،دخلت الدول الأوروبية لدى الباب العالي لأصدار فرمان بخلع الخديوي اسماعيل وتولي ابنه توفيق عام 1879ميلادي ونفيه خارج البلاد ليعيش بقية حياته في قصره باسطنبول حتى وفاته في 2 مارس عام 1895 ميلادي وتم سداد اخر قسط من ديون اسماعيل عام 1941 في عهد الملك فاروق.
يقول الكاتب كمال حليم عن الأقتراض في عصر اسماعيل:اقترض إسماعيل باشا كثيراً، وبدأ حركة البناء التى أخذت مصر من التخلف، وحولتها إلى مكان ينافس بلدان أوروبا جمالا ورونقا، حيث قال الخديوى إسماعيل فى 1879 “إن بلادى لم تعد إفريقيّة، نحن الآن أصبحنا جزءاً من أوروبا
ذكر المسيو جابرييل شارم Gabriel Charmes أحد كتاب فرنسا السياسيين ومن محرري جريدة (الديبا) والذي عاصر الخديوي إسماعيل ودرس حالة مصر في عهده:إن إسماعيل باشا قد اقترض في الثمانية عشر عاماً التي تولى الحكم فيها نحو ثلاثة مليارات من الفرنكات (120 مليون جنيه تقريباً)، ولكن الواقع أن نصف هذا المبلغ على الأقل بقي في يد الماليين وأصحاب البنوك والمضاربين من مختلف الأجناس ممن كانوا يحيطون به على الدوام” وهذا هو الخراب بعينيه فهل يتكرر هذا الجانب المظلم ..؟!
مستندات مدعمة : كتاب إلياس الأيوبي مصر في عهد الخديوي .
كتاب عصر إسماعيل للكاتب عبد الرحمن الرافعي .