كتب: أحمد كمال
فشلٌ بعد فشلٍ بعد فشل ذريع على كافة المستويات هذا هو حال السلطة الحالية ، بالاضافة الى مجتمع بأكمله تحول الى معترك عن طريق أسلوب خلق الأزمات الذى استمر لعقود ، لكى يظلّ «الاستقرار» هو الهدف الذى يجب علينا الوصول له قبل الوصول الى نقطة الانفجار، كما اننا لم نرى سوى الجشع وانعدام الرؤي تماما والارتهان الاقتصادي و تزايد الارهاب و تزايد الفوارق الطبقية المهولة و تدهور فى التعليم والثقافة و فى كل شىء .
على مدار الاربع سنوات الماضية رأينا "عجب العُجاب" وجميع انواع قبيح الافعال حتى اصبحنا نتشوق للتغيير بكل قوة و نحلم بالخروج من هذا الكابوس المرعب وهو حلم ليس بمستحيل لكن التغيير نفسه ليس حلمًا ولا أمنيات فقط بل يتطلب تضافر الجهود الثورية و الإصلاحية فالتغيير الحقيقي يصنع بأمر الوعي الجمعي عند إدراك المجتمع مجمل علاقاته بنفسه والآخر ، كل جهد في مكانه بدون إفراط و لا تفريط ولا يقاس في مسار الزمن بالسنة او الثلاث بل بعقود من العمل المخلص الدؤوب و لكن هذا لم يحدث على الإطلاق حيث ان البديل الذى كان حاضرا دائما هو الخطاب النقدي الذي لا يستقيم مع فكر الشعب الذى يبحث دائماً وابداً عن لقمة العيش .
فى ظل هذا القدر من عبثية المشهد ومرارته وسخريته ، اختارت مقاطعة الانتخابات القادمة و لدى الاسباب :
فى البداية المقاطعة بشكل عام هى وسيلة للاحتجاج السياسى السلمى لكن مع الوضع الحالى فى مصر و انعدام الحلول امام هذا المأزق السياسي المزمن فهى انسب وسيلة للتعبيرعن طفح الكيل و نفاذ الصبر لانعدام أي مشروع سياسي آخر او بديل عملي فاعل لتحقيق التغيير .
1- الانتخابات المصرية دائما ما تكون مهرجان شكلي للتدخل الحكومي المباشر وغير المباشر في العملية الانتخابية بدءاً من تقديم قانون الإنتخاب لمجلس النواب مرورا بإشراف قضاء الحكم بعد المكالمة وانتهاءا بوجود العساكر مع الصناديق ليلاً فالسلطة تقيم الانتخابات بصفتها هدفًا لا وسيلة ولا يخفى على الصغير قبل الكبير ان من يمسكون بزمام الامور يسعون لتوطيد اركان حكمهم أو تعزيز سلطتهم بكل الطرق الممكنة سواء كانت ( مشروعة او غير مشروعة ) والبقاء على صدر الشعب .
2- دائما ما تكون المنافسة غير عادلة فهناك دائما طرف يمتلك الإعلام والمال والقوانين والدعم الدولى و آخر لا يمتلك أى شىء ، مع انسحاب القوى والأحزاب السياسية من المشهد و بالتالى انعدام اى فرصة لبناء جسور تواصل مع الناس ، صنعت السُّلطة ساحةً سياسيّةً مُفرغةً من اى منافسين ، حتى ان منظمات «المجتمع المدني» تتحكم فيها السلطة من خلال قانون الجمعيّات و قانون الحصول على التراخيص .
3- المشاركة فى الانتخابات تحت مسمى شرف المحاولة هى شرعنة لممارسات السلطة السياسية في ظل سيطرتها المطلقة على مؤسسات الدولة التي لم يعد التغيير من خلالها ممكناً و اعادة إنتاج نفس الممارسات السياسية السابقة واعادة تكرار لسيناريو حمدين صباحى مع العلم ان مقارنة المشهد الراهن بما سبق، لا يستقيم باى حال من الاحوال إذا ما نظرنا إلى حجم المستجدات والمتغيرات التي أحاطت بالمشهد الحالى وجعلته غاية في الصعوبة والتعقيد .
4- «العزوف» عن المشاركة فى الانتخابات يمثل هاجس داخل أروقه النظام المصرى لانه يضعها فى موقع إحراج دولى هذا نظرياً اما عملياً أعلم جيدا ان النظام يملك براعة ترتيب الاوراق و اعطاء المبررات كما انه يمتلك الدعم الدولى و الخليجي خصوصاً لكن فى النهاية اتوقع ان نسبة مشاركة عامة الشعب انفسهم ستكون ضئيلة بعدما انتجت ظروف السنوات الماضية أفرادًا مهزومين فاقدي الثقة والأمل بالتغيير ينظرون لحياتهم على أنها محض فراغ لا طائل منها بعدما اصبحوا يعيشون وسط واقع منزوع المعنى .
أخيراً كل ما كتبت هو مجرد عرض لرأى و ليس تكريس لفكرة ان من يشارك «خائنًا» ومن يقاطع «وطنيًا» ، فمن حق كل إنسان أن يختار لنفسه ما يناسبه، وفي المقابل أيضا له حرية القبول أو الرفض وأرفض ان أزايد عليه او يزايد غيرى عليه .
قد تجد فى كلامى نبره اليأس والتشاؤم والخوف من المستقبل لكنها ليست من فراغ ، طرق التغيير محصورة بين ( الثورة، الانقلاب، الوفاة، الاغتيال، الاستقالة، الإقالة، او الفشل في الانتخابات ) وهى احتمالات بعيدة المنال، هذا هو الواقع و إن كان مر و قاسي و صعب فمحاوله التكيف معه نافذه لانه أمر واقع و وقع لن يقدم التحسر شىء فما من طرق اخرى لأن عواقب اللجوء للعنف كارثية ووخيمة ، وستدفع ثمنها أجيال كثيرة مقبلة، لن تغفر يوماً لكل من أوصل البلاد إلى تلك الحالة .
باختصار وصراحة ووضوح وبدون لف ودوران ، ليس من الصعب المستصعب الاعتراف بأن الطرق مغلقة و الحلول معدومة لكن الوقت عامل هام يعوّل عليه و استطيع الرهان عليه ، فالمنطقة العربية " تتقلب على جمر النار" مع ظهور اجيال جديدة بمرور الوقت في المنطقة العربية إما بفعل التعليم أو بفعل الاختراق الكبير والسريع والواسع لتكنولوجيا الاتصال والتواصل الاجتماعي و فى مرة من المرات ربما تأتى الرياح بما لا تشتهي السفن، هنا استعين بمقولة المفكر الفرنسي وأستاذ علم الاجتماع السياسي " برهان غليون " ( المجتمعات ليست ضحية أي حتمية تاريخية ، وأن مستقبلها ونوع التحولات التي تحققها وعمقها تتوقف على حجم التضحيات التي هي مستعده لبذلها ).
وضع الكتاب و المحللون سيناريوهات مختلفة و البعض الاخر يعتبر الارجنتين و تشيلى والبرازيل نماذج استرشادية للتغير السلمى لكن لكل مقام مقال و لكل توقيت ظروف ولكل مكان ومجتمع خصوصيته التي يجب أن نأخذها فى الاعتبار عندما نتعامل معه.
التحرر لا يأتي بسهولة ولا يمر كما يمر السحاب، ففى تشيلى انتهى حكم بينوشيه بعد 15 عاماً ، وكذلك النظام العسكري حكم البرازيل لأكثر من 20 عامًا وكانت النقطة الفاصلة هى ان الحركات المعارضة والمطالبة بالديمقراطية بين العمال والطلاب والأحزاب اليسارية والليبرالية اقترنت بتحوِّل في موازين القوى داخل الجيش، وبداية ظهور الاختلافات بين أجنحته على طريقة إدارة البلاد، خاصةً بعد نمو الأزمات الاقتصادية ، و في الأرجنتين وصل عدد الذين تمت تصفيتهم والتخلص منهم إلى حوالي 30 ألف شخص في سبع سنوات فقط بين 1976 و1983، وفي تركيا بعد انقلاب 1980 تم إعدام 50 شخصاً في ثلاث سنوات واعتقال 650 ألفاً ومحاكمة الآلاف فضلا عن اختفاء مئات، وهكذا كانت الحال في بقية الدول التي حكمها الجنرالات كالعادة .
حتى ما حدث من تنوير و تمدن وارتقاء فى المجتمعات الأوروبية كان نتاج تغير حقيقي لإدراك وفهم الشعوب لواقع معيشتهم، والتدافع من أجل حقوقهم، والإصرار لتحقيق العدل والمساواة والكرامة الإنسانية.