1 قراءة دقيقة
إيهاب نبيل يكتب :الرقيب في الكلام المفيد


عندما عُرض علي المساهمة في هذا المشروع بكتابة مقالات بشكل منتظم , ترددت كثيرا في مضمون ما سأكتبه , فالوضع العام ليس مهيئا كي يكون ذهنك صافي لكتابة شئ مفيد , وإن كتبت ما فيه فائدة فلابد أن تتجاوز ما يسمونه خطوطا حمراء , وبالطبع لن يمر مقال تجاوز الخطوط الحمراء من مقص الرقيب, وهو الذي يتابع كل ما يمكن أن يقال ويكتب في كل الوسائل .

 إذن ماذا أكتب ؟ .. كل أبغي إليه هو أن أبتعد عن أعين الرقيب التي لاتمل ولاتخجل من رصد كل حرف يكتب عن سياسات الحكم .. فتقوم بالمنع والقص واللصق , متوهمة أن الوطن بحاجة لذلك المقص حتي تحافظ علي وحدته وإستقراره .. متذرعة بحجج واهية وبالية انتهي عصرها واصبح تدويرها محاولات عبثية تثير الضحك والإشمئزاز في آنٍ , لاسيما أنه في نهاية كل حقبة من توغل وتوحش مقص الرقيب هزيمة منكرة  .. هزيمة تكسر ظهر الوطن وتجيبه الأرض .

 والرقيب نوعان في الدول النامية والنايمة علي روحها ؛ رقيب سياسي ورقيب ديني .. والمفكر يهرب من النوع الأول بحيلة البحث في مجال الإصلاح الإجتماعي وتفنيد مشاكل المجتمع من النواحي الإجتماعية والدينية , حيث يفرغ شحنة إبداعه في هذه النافذة ,مطمئنا من أن مقص الرقيب لن يناله مادام لم يتحرش قلمه بسياسات النظام الحاكم .. وعلي حسب وعي وذكاء النظام , يترك المبدع يفكر في كل شئ ؛ عدا الإقتراب من الخطوط الحمراء وهي كما ذكرنا سياسات النظام..  لكن أحيانا ترتبط مصالح النظام بعلاقة تحالف وود مع الرقيب الديني المتمثل في الكهنة وهنا يكون مضطر لتضييق الخناق علي الكاتب الذي يبحث عن منفذ لإبداعه ، لكن دون جدوي فالحصار يشتد مع كل خطوة ينحو فيها للأمام, فلا يكون أمامه إلا الهروب من هذا الواقع بالرحيل عن الوطن حتي يتسني له التعبير عن أفكاره أو العزلة والإبتعاد عن المشهد برمته .. فالمبدع عذابه  أن يحيا في بيئة غير حرة متشحة بسواد الجهل والتخلف وغباء السلطة وتوحشها .

هل أكتب في الرياضة مثلا ؟ فلا يمكن أن تتحدث عن الرياضة في مصر دون التعرض لأزمة غياب الجماهير وهنا قد تضطر  إلي مهاجمة الدولة وجهازها الأمني وتحملهم المسئولية كاملة عما آلت إليه الأوضاع , أو أن تتجاهل الموضوع برمته , وينصب اهتمامك علي التحليل الفني لأي من الألعاب الجماعية أو الفردية , مثلما يفعل الجميع في وسائل الإعلام.

 هل نتجاهل الأزمة الإقتصادية ؟ .. طبعا الحديث عن الإقتصاد يحتاج إلي متخصصين وخبراء في المجال , يخبرونا مايحدث , لأنني مثل غيري لا أفهم في الاقتصاد , ومن ثم لاينبغي لي أن أسأل وأبدي رأي كمواطن يكتوي من نار الأزمة بسبب ما نشهده من غلاء طاحن كنا نعرفه فقط في كتب التاريخ , ولم نتصور يوما أننا سوف نعيشه في العصر الحديث ..  ويبدو أننا نعيش موضة هو أنت فاهم في الاقتصاد عشان تتكلم / هو انت تعرف شكل الدولار عشان تشتكي / أو انت سمعت عن الجزيرتين قبل كده عشان تقول انهما مصريتان ! .. وكأن الشكوي من ألم المعيشة شرطه أن تكون خبير استراتيجي في السياسة والإقتصاد / وعجبي !..لايمكن الحديث عن الإقتصاد دون التطرق لسياسات الحكم , وبما أننا نعيش في كارثة إقتصادية, فلا مجال للحديث بشكل إيجابي عن تلك السياسات التي قادتنا للكارثة .. إذن بلاها اقتصاد ورياضة ففي كلتا الحالتين سوف نخوض في امور لاتعجب الرقيب .

طيب نكلم في الدين والحداثة وقراءة  تاريخنا الإسلامي برؤية نقدية محايدة ؟.. لكننا ايضا لن نسلم من مقص الرقيب ,وهنا  سوف يكون سيف/ لا مقص .. والسبب ؛هو تحول الدين إلي دين كهنوت , أي مايضعه الشيوخ لايجب أن تحييد عنه , وإلا تعرضت لتهم التكفير التي قد تدفع ثمنها حياتك .. لاتتناقش معهم ولا تسألهم أسئلة منطقية ولا تطرح عليهم الحجج والبراهين , لتؤكد أنك تحترم الدين وأن ثمة فرق بين العقيدة والتاريخ ,  لأنهم / لايفهمون لايعقلون/ لايتدبرون , وإذا فعلوا , وسمحوا لك بالتفكير والتمرد علي منهجهم واطرهم الهشة وقواعدهم الفكرية المتخلفة ؛ لأنتهي حكمهم وتفتت جمعهم وخارت قواهم , ولم يعد لهم وجود ولا لازمة في الحياة .. طب والحل إيه ؟ فقط اتركهم للحضارة وتطور الحياة , ومع الوقت لن تجدهم,  فالحضارة سلاح فتاك للقضاء علي الجهل والتخلف مهما كان نوعه وشكله. عليك مراجعة فتاويهم وأرائهم , حول كل إختراع جديد , ستجدهم في البداية يقابلونه بالتحريم لمنع تناوله بين الناس ؛ لكن ينتهي بهم الحال بإستخدامه مثل سائر البشر الطبيعين / طب ليه ليه التحريم من الاول يامولانا ؟!.. إذن الحضارة تنتصر وتقف حائط صد منيع يخدم تطور البشرية ويحافظ علي مستقبلها من سموم أبناء الظلام  .

نكلم في السياسة ؟ أعوذ بالله .. السياسة حرام يامولانا .

تقودنا جميع المواضيع إلي مقص الرقيب (شعبي /رسمي ) وفي هذه الحالة لا أستطيع اتخاذ مواقف تتسم بالميوعة والنطاعة تجاه ما يحدث علي الساحة , ومن ثم لايعد السكوت هنا دليل رضاء علي ما تنتهجه السلطة كما أنه ليس خوفا من بطشها , لكن تستطيع أن تقول إنها عزلة ؛ بسبب احباط عام اجتاح جيلا بأكمله أراد أن يصنع مستقبله بتطهير الحاضر والتخلص من نفايات الماضي القبيح /الخوف/اكل العيش/الاستقرار/الحاكم الاب/امشي جمب الحيط/وغيرها من مأثورات جمهورية الخوف (يوليو).. لكن سرعان ماتبدد هذا كله في لحظة قررت فيها السلطة الأبوية العودة مرة أخري لإحتلال المشهد والتعامل مع المستقبل علي انه لهو ولعب عيال هتضيع البلد .. بعد أن كنت رمز الأمل وتملك مفاتيح المستقبل تحولت إلي عبث وعبء  ؟! .. يا لها من هزيمة وحسرة  .. معاني الهزيمة بدت واضحة في مراحل الإقتراع المختلفة بعد 30 يونيو سواء في الاستفتاء علي الدستور أو انتخابات الرئاسة والبرلمان حيث عزف الشباب عن المشاركة في مسرحيات معدة سلفا , وحاله يسأل؛ لماذا ألعب معكم والأهداف تحسب للخصم ؟ ..

هنيئا لكم ما زرعتم وعند الحصاد تذكروا ما فعلتموه ولاتنتظروا منا الإلتفات لما تعانوه .

لأنه توجد قضايا مصيرية وواضحة  لاتقبل ألوان مختلفة من الرأي فإما أبيض أو أسود/ مع أو ضد / متهم أو برئ..  وبما أننا في مصر تلقائي فكل شئ مصبوغ بالسواد القاتم ولا يقبل التنظير لذا كن رجلا ولا تكن ديوثا .. فإما أن تقول الحق أو يكون صمتك إحتجاج علي الوضع  إلي أن يقضي الله أمرا كان مفعولا وإلي الله ترجع الأمور.

 أظن عرفت هاكتب ايه في المرة الجاية .. بالتأكيد مش سياسة .

تم عمل هذا الموقع بواسطة